مقدمة:
إنّ الطّبيعة البشرية تأبى الاستقرار و الثّبات و تسعى دائما وراء التجديد و التغيير و لعلّ مفهوم الحداثة لا يخرج عن هذا الإطار ، فإذا كان حلم الإنسان في وقت مضى هو صنع الكيان من خلال المحاكاة و التقليد ، فالحداثة أوجدت إنسانا لا يثق في غير قدراته و لا يدين بالولاء لأحد .
تلك كانت نتيجة طبيعية لسيطرة الأفكار التنويرية بعد أن تصدر العلم كل الحالات مخلّفا وراءه الجهل ، كرمزٍ للتخلف و مأساة البشرية ، فَربط الجهل بكل القوانين الظّالمة التي حرمت الإنسان من أبسط حقوقه .
و لعل ما أعطى للحداثة ذلك المفهوم المثالي هو ارتباطها بالعلم و الحرية و العقل و هي المبادئ التي قادت العالم إلى بر الأمان .
و بعدها استثمرت الأفكار الحداثية في كلّ االات و كان من بينها الأدب ، إذ سرعان ما خرق نظام القصيدة العمودية و ُأخذ بيد النقد إلى عالم أكثر حركية .
فكانت الحداثة في الشعر و النقد نقْلَة نوعية أسدلت الستار على فترة تاريخية ماضية ، و أعلنت عن ميلاد عصر آخر، فكان هذا كافيا لتتصدر الحداثة كل موضوع ، أضف إلى ذلك كونها تتوافق مع التفكير الجديد الذي ما لبث أن سيطر على الإنسان المعاصر .
فكان من بين أهم أسباب اختيار الموضوع كونه أحد الأبواب التي و رغم البحوث التي ُأنشئت حولها لم تغلق بعد ، و بقيت ذلك المجال الرحب الذي لا يقبل التجاوز ، فهو رمز للاستمرار والتجدد ، و كذلك كونه الحال الذي غيحر من الطّبيعة الثّابتة لمادة الأدب ، و جعل منها أكثر اتساعا، إذ أصبح يضم الفلسفة و الفكر و حتى العلوم الطّبيعية ، و لعل السبب الذّاتي لهذا الاختيار يتصدر كل الأسباب ، ألا و هو الرغبة التي تتحجج بكل ما بوسعه أن يقرا من أهدافها .