مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الواعد الأمين ، اللهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم ، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا ، وانْفعنا بما علَّمتنا ، وزِدنا علمًا ، وأرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطلا وارزقنا اجْتِنابه ، واجْعلنا مِمَّن يستمعون القَوْل فيتَّبِعون أحْسَنَهُ ، وأدْخِلنا بِرَحمتِكَ في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس العشرين من دروس التابعين رِضْوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وتابعيّ اليوم هو محمد بن الحنفيّة بن الإمام عليّ كرَّم الله وجهه .
وقعَت بين محمد بن الحنفيَّة وأخيه الحسن بن عليّ جَفْوَة ، فأرْسل بن الحنفيّة إلى الحسن يقول : إنَّ الله فضَّلَك عليّ ، فأُمّك فاطمة بنت محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم ، وأمي امرأة من بني حنيفة ، وجدّك من أمّك رسول الله ، وصفوته من خلقه ، وجدّي لأمِّي جعفر بن قيس ، فإذا جاءك كتابي هذا فَتَعال إليّ ، وصالِحني حتى يكون لك الفضْل عليّ في كلّ شيء ، فما إن بلغَتْ رسالته الحسن حتى بادر إلى بيته وصالحَهُ .
هذه القصَّة أريد أن أقف عندها قليلاً ؛ أوَّلاً أيّها الإخوة ؛ النبي عليه الصلاة والسلام كما تعلمون معصوم بِمُفرَدِه ، وأمَّته معصومة بِمَجموعها ، بمعنى أنَّ كلّ إنسان يؤخذ منه ، ويُرَدّ عليه إلا صاحب القبّة الخضراء صلى الله عليه وسلّم .
الشيء الآخر أنّ النَّسَب ، كما قلتُ من قبل تاجٌ يُتَوّج به الإيمان ، فإن لمْ يكن هناك إيمان فلا معنى للنَّسَب إطلاقًا ، وأكبر دليل أنَّ أبا لهب عمّ النبي كان مصيرهُ كما تعلمون ، لمْ ينْفعهُ نسبهُ ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام : لا يأتيني الناس بأعمالك وتأتوني بأنسابكم ، ولكن هناك سؤال: القاعدة الأصوليّة : لا مؤاثرةَ في الخير ، والخير كلّه في المؤاثرة ، القصَّة طريفة وتُرْوى ، ولكنّك لو أردت أن تقيسها بمِقياس الأصول ، مثلٌ أوْضَحُ ؛ لو أنَّ أخوَيْن لهما أمّ ، فالأوّل لمْ يُقدِّم لها الخدَمات لِيُفسِحَ المجال لأخيه أن يسْبقهُ إلى هذا العمل ، فَيُؤثرهُ في هذا العمل ؛ هل هذا مقبول في الشرع ؟ أبدًا لا مؤاثرة في الخير ، لا أوثرُ أحدًا على طاعة الله ، لا أوثرُ أحدًا على فضل الله، لا أوثرُ أحدًا بخدمة الله ، ما دام الأمر متعلّقًا بِمَرضات الله تعالى فأنا أسبق ، فالقصّة طريفةٌ ونرويها ، ولكن الإنسان ينبغي أن يعلم أنَّه لا مؤاثرة في الخير ، لو قبلنا هذه القاعدة لا أحدَ يفعل الخير أبدًا ، تسأله لِمَ لمْ تفعل الخير ؟ فيقول : تركْتهُ لِفُلان كي يفعله ، ويكون أفضل ؛ آثرْتهُ على نفسي ! هذا الكلام مرفوض ، ومن لهُ أمّ وأب ، لِيُبادِر بِخِدْمتِهِما وبِرِّهما ، ولْيَسْبِقْ إخوتَهُ جميعًا ، ولا يُبالي أن يكون هو الأسبق من إخوته في هذا العمل ، لا مؤاثرة في الخير ، والخير كلّه في المؤاثرة ،..