مقدمـــــة:
إذا مددنا النظر إلى آفاق الإنسانية البعيدة منذ خلق الإنسان ، نرى أن جميع الكتب السماوية تذكر أن الله تعالى قد فرض على آدم عند خلقه بعض الوصايا ، طالبا إليه أن يحترمها وأن لايقرب حدود الله تحت طائلة حرمانه من النعيم الذي أحاطه به ، وخطر لآدم أن يقرب الشجرة التي حرم الله ، فخرق بذلك النظام الذي فرض عليه ، فغضب الله عليه وجازاه على عمله بأن قال له ولزوجه :”إهـبطا مـنها جمــــيعا …..”
وجاء آدم إلى الأرض بنتيجة عقوبة من عند الله سبحانه ، وأخذ يشقى في الحياة ، وكان هذا الشقاء عبارة عن حرمانه من النعم التي كان يتمتع بها .
إذن ، فإن أول فكرة للعقاب هي الحرمان ، وقد أخذها فيما بعد بعض الفلاسفة الذين عالجوا مسألة العقاب كفكرة أساسية لكل عقوبة ، وعللوا ذلك بأن الجرم الذي يرتكبه أحد الأشخاص يجلب له بعض المتعة ، ولكي يشعر المجرم بسفهاته ، يجب أن يفرض عليه عقاب يحرمه من المتعة التى حصل عليها بوسائل غير مشروعة ، وهذا الحرمان يكون إما بتعذيبه أو بتحميله الآلام أو بنزع ثمرة جريمته وعدم تمكينه من الإستفادة منها .
ويرى الفيلسوف الإغريقي بروتاغوراس ، أن من يعاقب شخصا على خطأ إرتكبه لايضع نصب عينيه هذا الخطأ بحد ذاته ، إذ لو فعل ، لما أمكن تمييزه عن حيوان ضار هدفه الإنتقام ، ولكن إذا لم تنفع النصيحة أو العقوبة الأولى عندئذ يقتضي طرد المجرم أو قتله .
ففكرة العقاب عند هذا الفيلسوف تعكس إذن هّم المجتمع في جعلها أداة رادعة ووسيلة للإصلاح.
أما أرسطو ، فإعتبر أن وجود الناس على الأرض هبة إلاهية ، وزعت فيما بينهم خيرات الدنيا بالتساوي فإذا إعتدى أحدهم على قسمة الآخر ، معنويا أو ماديا ، إضطرب العدل والتوازن بين الناس ، مما يوجب إعادته بواسطة العقوبة ، التي تنزع من المجرم ثمرة عدوانه وتعيده إلى الوضع الذي كان عليه في السابق ، وواجب الدولة إنزال العقوبة بالمجرم حفظا لهذا التوازن ، الذي يشكل القاعدة الأساسية في تعايش الناس فيما بينهم ، ويرى أرسطو دائما ، أن الدولة مسؤولة عن سلامة المواطنين وسعادتهم ومن واجبها قيادتهم نحو هذه الأهداف بتهذ يبهم .