الاحتراس في القرآن الكريم دراسة بلاغية “نماذج مختارة”
مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر تخصص: بلاغة وأسلوبيية
سعيد مصطفى دياب
الاحتراس في القرآن الكريم
مِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ الْبَلَاغِيَّةِ الِاحْتِرَاسُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُحْتَمِلًا لِشَيْءٍ بَعِيدٍ فَيُؤْتَى بِمَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ.
ومِثَالُ الِاحْتِرَاسِ: قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾.[1]
احْتَرَسَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ عَنْ أَنْ يكون ذَلِكَ بسبب بَرَصٍ أو مَرَضٍ.
وَمن ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.[2]
احْتَرَسَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ عَنْ أَنْ يكون ذَلِكَ مِنْ سُلَيْمَانَ وَجُنُودِهِ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُم بل مِنْ عَدْلِ سُلَيْمَانَ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ جُنُودِهِ لَا يَحْطِمُونَ نَمْلَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِأَلَّا يَشْعُرُوا.
فإن تَبَسَّمَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كان سُرُورًا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وليس غضبًا مِنْهَا، وَأَكَّدَ التَّبَسُّمَ بِالضَّحِكِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ تَبَسُّمَهُ تَبَسُّمُ سُرُورٍ لَا تَبَسَّمَ الْغَضْبَانِ.
وَمن ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾.[3]
احْتَرَسَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ عَنْ أَنَّ يكون ذَلِكَ لِضَعْفِهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى وَصْفِهِمْ بِالذِّلَّةِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبَهُ الضَعْفُ، فلما ذَكَرَ عِزْتَهُم عَلَى الْكَافِرِينَ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْهُمْ تَوَاضُعٌ وَعَطْفٌ، وليس ضَعْفًا.
[1] سُورَةُ النَّمْلِ: الآية/ 12.
[2] سُورَةُ النَّمْلِ: الآية/ 18.
[3] سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الآية/ 54.