مقدمة:
عُرف العرب ببلاغة المنطق فطرة، وبالفصاحة سجية،تكلموا العربية من غير تلقين وتعلم وفهموا المعاني من غير بلاغة ولا معجم، واهتموا بالتراكيب فنحو نحوا فنيا، فكانوا أرباب فصاحة ورواد بيان، جهابذة لسان فحول برهان، تناولوا اللغة فتجاوزوا الوقائع والأحيان، وسحروا القلوب والأفئدة والأذهان.
عند الحديث عن البلاغة العربية يجب أن نلفت الانتباه إلى أمر لطالما خفي وأبهم، أنّ البلاغة العربية لا يجب أن ينظر إليها إلا من ثلاث زوايا: زاوية بلاغة الذوق، وزاوية بلاغة الشاهد، وزاوية بلاغة المنطق. أما الأولى فكانت سليقية فطرية، تداولها العرب من دون حدود معرفية ولا أصول تنظيرية، وتعود بداية تأريخها إلى السنة المائة والخمسين قبل الهجرة والمائة ونيف سنة بعدها، وأما الثانية اعتمدت بلاغة الشاهد من خلال “التغذي من الملاحظات العفوية والقراءات التطبيقية والخصومات الأدبية”[1] سميت هاته المرحلة بتيار صور البديع وتمثلت مع ابن المعتز، وأما الثالثة فكانت تأصيلية تقعيدية، اعتمدت آلية علم المنطق كإجراء تطبيقي تشريحي تصف الظاهرة المتمثلة في التشكيلات البلاغية، وتفسرها وتستنبط القاعدة كنموذج أولي يقاس عليه باق الشواهد والأمثلة، وهكذا إلى أن انتهت بنا إلى السكاكي صاحب كتاب (مفتاح العلوم)، فحصرها في ثلاث علوم: المعاني والبيان والبديع.